في غرفة الموسيقى

كانت تعيش في عالم بلا ألوان، بلا وجوه، بلا ملامح. نور، فتاة كفيفة منذ الطفولة، قضت سنوات عمرها في ظلال الأصوات. لم تكن تبصر، لكنها كانت ترى الناس من نبراتهم، من خفق خطواتهم، من طريقة تنفسهم. ترعرعت في بيت يحب الفن، والدتها كانت تعزف على العود، ووالدها كان شاعرًا بسيطًا يكتب القصائد لنفسه. كبرت نور بين الكتب الصوتية والموسيقى، لكنها وقعت في غرام آلة واحدة فقط: البيانو. أحبت مفاتيحه، بياضه وسواده، طريقته في الانحناء، والهدوء الذي يسبق الانفجار في نغمة واحدة. وحين بلغت السابعة عشرة، قررت أن تتعلمه. التحقت بمعهد للموسيقى يضم طلابًا من مختلف الخلفيات، ولم تكن تعرف أن تلك الخطوة ستغيّر حياتها. كان معلمها رجلًا في منتصف الثلاثينات، اسمه طارق، عازف بيانو محترف، ذو ملامح هادئة، يرتدي دومًا قميصًا داكنًا ولا يتكلم كثيرًا. في أول يوم، سألها: "لماذا اخترت البيانو؟" قالت: "لأنه آلة يمكن لمسها… وفهمها بالصمت." ابتسم. ومنذ الدرس الأول، بدأ يراها مختلفة. لم تكن تراه، لكنها كانت تعرف متى ابتسم، ومتى حزن، ومتى صمت لأنه لا يريد أن يكسر سطرًا شعوريًا في جو الغرفة. ومع مرور الأيام، بدأت...