في غرفة الموسيقى

في قلب بغداد، حيث تمتزج الحضارة العريقة مع الحياة العصرية، كانت زهراء تسير في شوارع المدينة القديمة، تحمل في قلبها شغفًا دفينًا بالآثار والتنقيب عن الماضي. طالبة في الصف السادس الإعدادي، كانت تقضي وقتها بين صفحات الكتب التاريخية وبين رحلات البحث في الأماكن المهجورة، مستعينة بصديقتيها المقربتين، نور وزينب، اللتين شاركتاها ذات الشغف.
لم تكن زهراء فتاة عادية، بل كانت شغوفة بماضي العراق، تعشق استكشاف الأماكن المهجورة التي تحكي قصصًا طُمرت تحت التراب. كانت تصطحب صديقتيها في رحلات إلى المواقع الأثرية القديمة، تبحث عن أي دليل يربطها بالحضارات السحيقة. كانت شوارع بغداد القديمة تشهد خطواتها المتحمسة، حيث كانت تقضي الساعات في تفحص النقوش على الجدران وتفسير الرموز القديمة.
في أحد الأيام، قررت زهراء أن تأخذ صديقتيها إلى منطقة أثرية مهجورة لم يسمع عنها سوى القليل. كانت مجرد بقايا أحجار مغطاة بالرمال والغبار، لكنها شعرت أن هناك شيئًا مدفونًا تحتها. استخدمت أدواتها البدائية في التنقيب، وفجأة اصطدمت يدها بجسم معدني صلب. بدأت تحفر بحذر حتى كشفت عن خنجر أثري مذهل. كان الخنجر مزينًا بنقوش غامضة وأحجار كريمة مطمورة في قبضته، بدا وكأنه ينتمي إلى ملك قديم. شعرت زهراء بنبضات قلبها تتسارع وهي تحمل الخنجر بين يديها، مدركة أن هذه القطعة قد تكون ذات قيمة تاريخية هائلة.
في تلك اللحظة، لم تدرك زهراء أنها دخلت في دائرة الخطر. فسرعان ما بدأ الخبر ينتشر بين الأوساط المهتمة بالآثار، حتى وصل إلى مسامع عمر، شاب يملك متحفًا خاصًا في الولايات المتحدة، لكنه في الحقيقة كان تاجر آثار غير شرعي. كان عمر رجلاً شرسًا، لا يتردد في استخدام أي وسيلة للحصول على ما يريد. أرسل رجاله إلى بغداد للتحقق من صحة الأمر.
بعد يومين من العثور على الخنجر، بدأت زهراء تشعر أنها مراقبة. لاحظت رجالًا غرباء يراقبون تحركاتها من بعيد. تلقت رسائل غامضة تهددها بضرورة تسليم الخنجر، لكنها تجاهلتها، مصرة على أن يتم تسليمه إلى السلطات المختصة لحفظه في المتحف الوطني. لم تكن تعرف أنها وضعت نفسها وصديقتيها في قلب العاصفة.
ذات مساء، وبينما كانت زهراء ونور وزينب في طريقهن إلى المنزل، اعترضتهن سيارة سوداء، خرج منها رجال يرتدون ملابس سوداء وأقنعة. حاولن الفرار، لكن دون جدوى. تم اقتيادهن إلى مكان مجهول، حيث وجدت زهراء نفسها وجهاً لوجه مع عمر. كان يجلس في مكتب فخم، يحيط به رجال العصابة، بينما نظر إليها بابتسامة باردة.
"أنتِ فتاة ذكية، لكن الذكاء وحده لا يحمي صاحبه. أين الخنجر؟" قال عمر بصوت هادئ لكنه يحمل تهديدًا.
نظرت إليه زهراء بعينين متحديتين، رغم الخوف الذي حاولت إخفاءه. "لن أعطيك إياه، إنه جزء من تراث بلدي، ولن أسمح لك بسرقته."
قهقه عمر ساخرًا. "تراث بلدك؟ إن لم تسلميني إياه الآن، فسأجعل صديقتيك تدفعان الثمن."
وقبل أن تتمكن زهراء من الرد، سمعت صرخة عالية. التفتت لترى نور وزينب محتجزتين من قبل رجال العصابة، وكانت زينب تقاوم بشراسة. صرخت زهراء: "لا تؤذوهم!" لكنها لم تكن تملك ما تفعله.
في لحظة فوضى، تمكنت زينب من الإفلات، وحاولت الهجوم على أحد الرجال، إلا أن أحد أفراد العصابة لم يتردد في إطلاق رصاصة مباشرة على قلبها. سقطت زينب أرضًا، مضرجة بدمائها، بينما تجمدت زهراء في مكانها، غير قادرة على استيعاب ما حدث.
صرخت نور وانفجرت بالبكاء، بينما شعرت زهراء بغضب يفوق الخوف. كانت يداها ترتجفان، لكن عقلها بدأ يعمل بسرعة. أدركت أنها لا تستطيع ترك هذه الجريمة تمر دون عقاب.
بمساعدة نور، استطاعت زهراء التسلل والهروب من المخبأ بعد أن أحدثتا ضجة جعلت أحد الأبواب مفتوحًا. خرجتا مسرعتين، تجريان في شوارع بغداد ليلاً، حتى وصلتا إلى مركز الشرطة، حيث قدمت زهراء بلاغًا كاملاً عن كل ما حدث.
لم تتأخر الشرطة، وشُنت عملية مداهمة لمقر العصابة. دار اشتباك عنيف، انتهى بإلقاء القبض على عمر ومعاونيه. في اللحظات الأخيرة، وجدت زهراء نفسها وجهًا لوجه معه مرة أخرى، لكنه هذه المرة لم يكن متعجرفًا كما كان من قبل، بل كان مكبل اليدين، يحدق بها بغضب.
قالت له بصوت ثابت: "التاريخ لا يُسرق يا عمر، والعدالة تأخذ حقها دائمًا."
تم تسليم الخنجر إلى المتحف الوطني، حيث تم عرضه للعامة كرمز لتراث العراق العريق. ومع أن زهراء خرجت من هذه التجربة بقلب مثقل بالحزن على فقدان زينب، إلا أنها شعرت بأن رسالتها في الحياة قد أصبحت واضحة: حماية آثار بلدها مهما كلفها الأمر.
وهكذا، بدأت زهراء رحلتها الجديدة، لكنها هذه المرة لم تكن مجرد فتاة تبحث عن الآثار، بل مقاتلة تدافع عن إرث وطنها، مستعدة لمواجهة أي خطر قد يهدد تاريخه.
تعليقات
إرسال تعليق