في غرفة الموسيقى

صورة
كانت تعيش في عالم بلا ألوان، بلا وجوه، بلا ملامح. نور، فتاة كفيفة منذ الطفولة، قضت سنوات عمرها في ظلال الأصوات. لم تكن تبصر، لكنها كانت ترى الناس من نبراتهم، من خفق خطواتهم، من طريقة تنفسهم. ترعرعت في بيت يحب الفن، والدتها كانت تعزف على العود، ووالدها كان شاعرًا بسيطًا يكتب القصائد لنفسه. كبرت نور بين الكتب الصوتية والموسيقى، لكنها وقعت في غرام آلة واحدة فقط: البيانو. أحبت مفاتيحه، بياضه وسواده، طريقته في الانحناء، والهدوء الذي يسبق الانفجار في نغمة واحدة. وحين بلغت السابعة عشرة، قررت أن تتعلمه. التحقت بمعهد للموسيقى يضم طلابًا من مختلف الخلفيات، ولم تكن تعرف أن تلك الخطوة ستغيّر حياتها. كان معلمها رجلًا في منتصف الثلاثينات، اسمه طارق، عازف بيانو محترف، ذو ملامح هادئة، يرتدي دومًا قميصًا داكنًا ولا يتكلم كثيرًا. في أول يوم، سألها: "لماذا اخترت البيانو؟" قالت: "لأنه آلة يمكن لمسها… وفهمها بالصمت." ابتسم. ومنذ الدرس الأول، بدأ يراها مختلفة. لم تكن تراه، لكنها كانت تعرف متى ابتسم، ومتى حزن، ومتى صمت لأنه لا يريد أن يكسر سطرًا شعوريًا في جو الغرفة. ومع مرور الأيام، بدأت...

إلى من كنت أظنه سندي...

 إلى من كنت أظنه سندي...

ما لم يكن متوقعًا، قد حصل. قربك لم يكن إلا فصلاً من فصول الفشل، قصة عشقٍ نزفت فيها كثيرًا، حتى بات الرحيل أمرًا لا مفر منه. مضطر أن أبتعد، وأتركك خلفي، فقد استنفدتَ كل ما في قلبي من صبر.

أحببتك بصدق، لكن حبك كان خاليًا من الحقيقة. قلبي احترق بما فيه الكفاية، ولا أملك القدرة على احتمال جراح جديدة منك.

كل مرة كنت أتنازل، أُسامح، وأصبر، لكنني تعبت... تعبت من كسر الخاطر. لا تنتظر مني شيئًا بعد الآن، فأنا قررت أن أتركك، لتبقى وحدك مع نفسك.

في كل كسرة قلب، كنتَ أنت السبب، وأنا الذي صدقت أنك وفيّ. طعنتني في أعمق مواضع القلب، وها أنا اليوم أقرر، لن أبقى بجانبك بعد الآن.

من عشرتك، لم أرَ سوى الأذى. الآن فقط، أدركت أنك لم تعتبرني يومًا غاليًا. قلبك خالٍ من الوفاء، لم يصفُ لحظة، ولهذا، اكتفى قلبي، وسأرحل لأعيش بسلام مع نفسي.

كنتَ السبب في كل هذا الألم. زرعت في قلبي وجعًا لا يُنسى، وها أنا أضع نقطة النهاية لكل شيء بيننا.

انكسر حالي بك، رأيت القهر في عينيك، والآن، كل ما أتمناه... أن تبتعد. لا أريدك بقربي أبدًا بعد اليوم.

غلطتي الوحيدة، أنني ظننتك سندًا، لكنك كنت وهمًا... وغاية لا تستحق.

وداعًا، من قلب أحبك وذُبح بصمت.





تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"القلعة المهجورة: رحلة البقاء على قيد الحياة"

"ظلال أركانتا: سر الأومبرا".

الغابة المسكونة